بقلم / عبد الرحمان بوعبدلي
في مشهد تختلط فيه الكرامة بالإصرار، احتشد عشرات الأشخاص في وضعية إعاقة، يوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025، أمام مقر وزارة الأسرة والتضامن بالرباط، ضمن وقفة احتجاجية دعت إليها تنسيقية السلام الوطنية للأشخاص في وضعية إعاقة، للمطالبة بإنصافهم واسترجاع حقوق وصفوها بـ”المهضومة منذ عقود”.
جاء المحتجون من مختلف المدن المغربية، بعضهم على كراسٍ متحركة وآخرون بمساعدة ذويهم، متحدّين صعوبات التنقل للوصول إلى العاصمة. يقول أحد المشاركين: “نحن لا نطلب المستحيل، نريد فقط أن نُعامل كمواطنين كاملي الحقوق، لا كعبء على الدولة.”
ورفع المحتجون شعارات تُطالب بـ”الحق في التسجيل الاجتماعي، والحق في الصحة والتعليم والشغل”، إضافة إلى مطلب طال انتظاره، وهو مجانية التنقل التي تعتبرها التنسيقية “ضرورة لا امتيازًا”، شأنها شأن بطاقة الإعاقة الوطنية التي تتحدث عنها الحكومات المغربية منذ أكثر من 30 سنة دون أن يتم تفعيلها على أرض الواقع.
تعتبر التنسيقية أن غياب هذه البطاقة يحرم آلاف الأشخاص من الولوج إلى حقوقهم الأساسية، ويؤكد غياب الإرادة السياسية الحقيقية لإدماج هذه الفئة في الحياة العامة. كما انتقدت ما وصفته بـ”الفجوة الكبيرة بين الخطاب الرسمي والتطبيق العملي”، معتبرة أن “البرامج الحكومية تبقى حبيسة الأوراق بينما يعيش المواطن المعاق واقعه المرّ يوميًا”.
يقول أحد الآباء المشاركين في الوقفة وهو يحمل ابنه المعاق: “المسؤولون يتحدثون عن الإدماج، لكن أين هو الإدماج إذا كان ابني لا يستطيع حتى ركوب الحافلة أو دخول المدرسة بدون عراقيل؟”
وتُجمع شهادات المحتجين على أن ما يعيشونه ليس مجرد تقصير إداري، بل تجاهل مزمن لحقوق إنسانية ودستورية، رغم مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تلزم الدولة بضمان المساواة وتكافؤ الفرص.
وفي ختام الوقفة، دعت التنسيقية إلى إطلاق خطة وطنية عاجلة تُترجم الالتزامات القانونية إلى إجراءات ملموسة، تشمل تبسيط الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، وإحداث فرص عمل حقيقية، وتوفير وسائل النقل الملائمة، مع التأكيد على أن إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة ليس منّة، بل واجب وطني وإنساني.
يرى خبراء ومهتمون بالشأن الاجتماعي أن أزمة إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب لا تكمن في غياب القوانين، بل في غياب التطبيق الفعلي لها. فرغم صدور القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، إلا أن تنزيله الميداني ظل محدودًا، بسبب ضعف التنسيق بين المؤسسات وتشتت المسؤوليات.
ويشير المتخصصون إلى أن هيمنة المقاربة الإحسانية في التعامل مع هذه الفئة تُفرغ الجهود من مضمونها الحقوقي، في حين أن ضعف الميزانيات المخصصة وغياب آليات المراقبة والمساءلة يزيد من هشاشة البرامج الحكومية.
ويقترح الخبراء إدماج بعد الإعاقة في جميع السياسات العمومية، مع تمكين الجماعات الترابية من الموارد الكفيلة بتنفيذ مشاريع دامجة محليًا، إلى جانب إشراك الأشخاص في وضعية إعاقة في صياغة القرارات التي تخصهم، باعتبارهم أصحاب حق لا مجرد مستفيدين.
فبين النصوص الجميلة والواقع الصعب، تبقى كرامة المواطن المعاق هي الامتحان الحقيقي لمدى نضج المجتمع. فالإدماج ليس شعارًا يُرفع في المناسبات، بل ممارسة تُترجم في المدرسة، والشارع، ومكان العمل، حيث لا يطلب ذوو الإعاقة أكثر من أن يعيشوا بكرامة… كمغاربة كاملي الحقوق.
تعليقات
0