هادشي في المغرب …رجال ولاو كيخذمو فالبيوت

هادشي في المغرب …رجال ولاو كيخذمو فالبيوت

تتراوح أعمارهم بين الرابعة والعشرين والثلاثين، ذاع صيتهم بين نساء الأحياء الشعبية بالدارالبيضاء، والسبب أنهم متخصصون في «الشقا» الذي يعتبر في نظر مجتمعنا حكرا على النساء. شبان مفتولو العضلات، برعوا في «تخمال ديور»، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يكنسون ويغسلون، وبعضهم برع حتى في الطبخ والنقش على الأيدي في أوقات الفراغ.تستدعيهم ربات البيوت لينوبوا عنهن في القيام بالأعمال المنزلية، مقابل أجر شهري أو يومي حسب الاتفاق.

«الله يخلف عليك ألالة»، بهذه العبارة رد يوسف الذي لم يتجاوز بعد الخامسة والعشرين من عمره على إحسان المرأة، فهي لم تكتف فقط بتسليمه أجره الشهري الذي كان محددا سلفا في 1600 درهم، بل قدمت له بعضا من ملابس وأحذية زوجها، بالإضافة إلى مواد غذائية. كان يبدو على يوسف أنه سعيد بعمله بعد الطرد التعسفي الذي تعرض له من عمله منذ سنة تقريبا كما يقول.

كد واجتهاد

الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، أسرعت صاحبة البيت إلى الباب لفتحه بعد سماعها دقات خفيفة عرفت أنها ليوسف.

استقبلته بحفاوة ودعته إلى تناول الفطور معها، أجابها الشاب وقد ظهرت الابتسامة على محياه، «راني فطرت، واش نبدا خدمتي، حيت باغي نخرج بكري، راه طاحت لي لا كارت ناسيونال، وبغيت نديكلاري».

قبل أن يتم خالد يوسف، كان قد نهض من مقعده، ينتظر إشارة هند لكي يبدأ «شقا».

اتجه يوسف صوب غرفة الأطفال لترتيبها، نفض الغبار عنها، فيما فضلت هند الجلوس على طاولة المطبخ لتأخذ قهوتها الصباحية.

براعة الشاب في القيام بالأعمال المنزلية، كانت تظهر من خلال طريقة ترتيبه لملابس الأطفال داخل الدولاب، وكذلك من خلال طريقة ترتيبه للأسرة الثلاثة، فهو يهتم حتى بالتفاصيل الصغيرة التي قد لا تهتم بها بعض ربات البيوت. يعمل بنشاط زائد، لا يمكن تفسيره، إلا بأنه يحب العمل الذي يقوم به منذ أزيد من سنة.

يقول يوسف: «قد يظن البعض أني اخترت هذا العمل الذي هو «شقا»، بالعكس فقد جاء كل شيء بمحض الصدفة، توقفت عن الدراسة عند حدود السنة الثالثة ثانوي بسبب رسوبي المتكرر، فبدأت أبحث عن عمل لكي أعول عائلتي بعد أن توفي والدي، حاولت بشتي الطرق دون جدوى، فجميع الأبواب كانت موصدة في وجهي».

وهو يتجه صوب غرفة نوم هند يضيف قائلا: «بعد أن توفي والدي أصبحت مضطرا لإيجاد عمل أستطيع من خلاله أن أكفل لقمة لسبعة أفراد من عائلتي. بالصدفة سمعت أن هناك «موقف بقيسارية سباتة» يتجمع فيه الشباب الباحثون عن عمل. توجهت إلى هناك وأنا لا أفقه شيئا في الموضوع. هناك عرفت أن هولاء الشباب يتجمعون «بالقيسارية» في انتظار من تطلبهم لمساعدتها في الأعمال المنزلية التي تستدعي القوة البدنية، مثل غسل الزرابي أو تغيير أماكن الأرائك.

عمل ممتع ولكن

توقفت هند بسيارتها «كات كات»، تجول بعينيها بحثا عن شاب له مواصفات خاصة لكي ينوب عنها في القيام بالأعمال المنزلية، وجدت بين الشبان ضالتها، إنه يوسف المفتول العضلات، فشكله الجسدي أثار انتباهها، الشيء الذي جعلها تختاره من بين جميع الشبان الذين ينتظرون دعوات المقبلات على «القيسارية».

رافقها إلى شقتها الكائنة بشارع 2 مارس، هناك تعرف على أسرتها الصغيرة وعلى زوجها الذي لم يحتج على وجوده في بيته.

كانت البداية صعبة بالنسبة له، فقد كان يعمل بتوجيه من صاحبة البيت هند، لكن بعد مضي الأيام والأشهر أصبح ملما بكل شيء في البيت، في المقابل كانت هند سعيدة بما يقدمه لها يوسف من خدمات يتقاضى عنها 1600 درهم، بالإضافة إلى مبلغ إضافي محدد في 200 درهم في اليوم المخصص ل «تخمال»، هذا ناهيك عن المواد الغذائية وبعض الألبسة المستعملة التي تقدمها له إن كانت راضية على خدماته.

يقول يوسف: «ما يحز في نفسي هو نظرة المجتمع إلى طبيعة العمل الذي أقوم به، ويقوم به العديد من الشباب الذين أعرفهم، فأنا لا أصرح للآخرين أنني أساعد ربات البيوت في الأعمال المنزلية أو «تخمال»، فأغلب الناس يعتبرون مثل هذه الأعمال من المهام الدونية التي تكون من اختصاص المرأة فقط.

قبل أن يتوجه إلى المطبخ لإعداد وجبة الغذاء، يضيف قائلا «عائلتي وأصدقائي لا يعرفون طبيعة العمل الذي أزواله، بل إنني لا أستطيع أن اتحدث لهم عن عملي هذا، كل ما يعرفونه عني أني أشتغل في أحد المعامل بعين السبع».

عضلاته المفتولة تجعله يقوم بأشغال البيت دون أن تظهر عليه علامات التعب. فهو يعمل بجد ونشاط طيلة ساعات اليوم الطويلة. فعمله يبدأ من الساعة التاسعة صباحا ولا ينتهي إلا في حدود السابعة مساء، بعد عودة الزوج من عمله والأطفال من مدارسهم.

يحلو لهند القيام بحفلات خاصة لصديقاتها، ولا تنسى أن تتباهى أمامهن بأروع هدية منحها لها الله وهي يوسف. بل إنها تدعوه إلى استعراض مهارته في تحضير ألذ الوجبات وأحلى الحلويات، وتجاوزت الأمر إلى ممارسته لهوايته المفضلة، وهي النقش على الأيادي الناعمة لصديقات هند. في المقابل كانت الصديقات تتنافسن في تقديم الهدايا إلى الشاب الوسيم المفتول العضلات الذي لم يجد عملا آخر غير القيام بالأعمال المنزلية التي كانت إلى وقت قريب حكرا على النساء.

طباخ الأعراس

ابراهيم أو «هيما»، كما يفضل أن ينادي عليه زبناؤه وزبوناته. هو الآخر يقول وهو يحكي عن بداية عمله مساعدا في الأعمال المنزلية، إن الأمر جاء بمحض الصدفة.

ف «هيما» تعود أن يساعد والدته في القيام بأشغال البيت، فهي لا تقوى على القيام بأي شيء وهي المريضة التي تعاني منذ سنوات من المرض الخبيث.

تعلم وأتقن جميع أنواع الأعمال المنزلية من كنس وغسل ونفض للغبار وعجين وطبخ كذلك.

يقول هيما: « في إحدى المناسبات طلبت مني صديقة والدتي أن أساعدها في حمل الزرابي إلى السطح، بما أني شاب قوي البنية، ماشاء الله علي كما قالت آنذاك، لم أتأخر في تقديم المساعدة إليها. ولكن وأنا أحمل الزرابي، دنت مني وقالت وهي تهمس في أذني، مارأيك أن تغسلها مقابل مبلغ مالي محترم، وكان انذاك 300 درهم».

لم يفكر «هيما» طويلا، فتكاليف علاج والدته كانت مرهقة جدا لوالده، وافق وقدم المساعدة لصديقة والدته، وتوالت الخدمات من هذا النوع، فذاع صيته بين الجيران وأصبحت النساء تطلبنه عندما يرغبن في «تخمال» بيوتهن مقابل 200 درهم، وإن كان الأمر لا يتطلب «تخمال، فأجره اليومي كان محددا في 100 درهم.

هكذا بدأ «هيما» عمله مساعدا في الأعمال المنزلية، لكن تطور الأمر معه إلى ممارسة مهن كانت ومازالت حكرا على النساء، وهي «طيابة»، وإن كان لا ينادي بهذا اللقب إنما ب «طباخ»، الأمر الذي كان طرح آنذاك العديد من التساؤلات عند معارفه. لكن عندما تذوقوا «دجاج لمحمر» و «سفة لمردومة» و«لحم بلبرقوق، عرفوا سر إقبال الزبناء على شراء وده.

«هيما» غير يوسف، فهو يتباهى بتفوقه في القيام بالأعمال المنزلية، وكذلك بتميزه في تقديم ألذ الوصفات المعروفة في المناطق الشعبية.

طموح مشروع

أرغمته ظروفه الاقتصادية أن يزاول عملا لم يكن أحد من أفراد عائلته راضيا عليه وهو غسل الزرابي ب «ستاسيونات». لكن لأنهم جميعا لم يملكوا خيارا آخر وافقوا على مضض.

لم يكن أيمن راضيا على المقابل الذي يتقاضاه مقابل عمله الشاق، لكن «كيسد باب»، كمايقول التعبير الشعبي. فقرر ذات يوم تطوير ما يقدمه من خدمات للزبونات، وكانت الخدمة في البيوت.

فبدأ ينوب عن زبوناته بالقيام بالأشغال المنزلية من طبخ وغسل. يدق باب بيت الزبونة عند التاسعة صباحا، ولا يخرج منه إلا بعد عودتها من عملها. فجميع زبوناته عاملات

يقول أيمن ذو السادسة والعشرين من عمره «منذ سنتين تقريبا وأنا أشتغل بهذه الوتيرة، فأنا أعمل مياوما، كل يوم في بيت ما عدا الأحد فهو يوم عطلتي، والسبت هو يم «تخمال»، أي أنني أجلس في بيتي أنتظر أن تتصل بي إحدى زبوناتي للقيام ب «كرون ميناج». أتقاضى 800 درهم أسبوعيا، وهذا مبلغ محترم بالنسبة لي، جعلني أعيش استقرارا ماديا منذ أزيد من سنتين».

عائلته لا تعرف أنه يشتغل في البيوت. كل ما تعرفه عنه أنه يعمل في أحد «ستاسيونات» مقابل أجر زهيد، هذه السرية كانت في صالحه، فقد استطاع أن يدخر مبلغا مهما وسيتقدم هذه الأيام ل «تسبيق» من أجل اقتناء شقة اقتصادية، بل إنه يفكر في الزواج من فتاة تقبل طبيعة العمل الذي يمارسه والذي يدر عليه مبلغا محترما كل شهر كما يقول.

لتتواصل حكايات الشباب الذي يزاولون مهنا كانت حكرا على النساء الى وقت قريب.

أضف تعليقك

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0